مختصر الكلام فى سيرة خير الأنام
فى ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم لا يسعنا ألا أن نذكر النذر اليسير من الكلام عن سيد الخلق وقائد البشرية ومعلمها سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فلم يطرق البشرية حدث أعظم من هذا الحدث وهو ميلاد المصطفى الهادى صلى الله عليه وسلم.
ولد صلى الله عليه وسلم فى ربيع الأول فى عام الفيل هذا العام الذى حمى فيه الله سبحانه وتعالى بيته العتيق من ابرهة الحبشى وأصحاب الفيل وجعل كيدهم فى تضليل وحمى رسوله الكريم الذى كان مازال فى بطن أمه، قيل انه ولد بعد ليلتان من ربيع الاول وقيل انه بعد ثمان ليال وقيل بعد عشر ليال وعلى أكثر الأقوال الثانى عشر من ربيع الأول.
قيل للنبي : ما أول بدء أمرك ؟ فقال رسول الله ﷺ : «أنا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ» رواه أحمد
ودعوة إبراهيم عليه السلام هى قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) البقرة ١٢٩.
وبشارة عيسى : كما أشار إليه قوله عز وجل حاكيًا عن المسيح عليه السلام:( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) الصف ٦
ورؤية أُمِّه كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ ما يجيء الشَّامِ».
قال ابن رجب: «وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) المائدة ١٥-١٦.
وقال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِ، وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾الأعراف ١٥٧.
هذا النور الذى جاء لينقذ البشرية من ظلام دامس وأثام وشهوات وعادات جاهلية ولا نجد فى وصف ذلك أفضل من كلمات الصحابة الجليل جعفر بن ابى طالب التى قالها للنجاشى ملك الحبشة "كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، وتأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. فصدقناه وأمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا."
ازاح رسول الله الغشاوة عن الأعين فأبصرت الحق الذى حجب عنها دهراً ومسح الران عن القلوب فعرفت اليقين واتجه البشر إلى عبادة فاطر السماوات والأرض.
قال ابن إسحاق واصفاً نبينا صلى الله عليه وسلم : "كان رجلاً أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلُقًا وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جوارًا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة وأبعدهم من الفحش والأخلاق التى تدنس الرجال، تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين، لما جمع الله عز وجل فيه من الأمور الصالحة".
للأسف الشديد فى زماننا هذا الكثير منا لا يعلم شيئاً عن السيرة النبوية الشريفة والأجيال الجديدة لا تعلم شيئاً فكما قال الغزالى رحمه الله"إن المسلمين الآن يعرفون عن السيرة النبوية قشوراً خفيفة، لا تحرك القلوب ولا تستثير الهمم، وهم يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عن تقليد موروث ومعرفة قليلة، ويكتفون من هذا التعظيم بإجلال اللسان، أو بما قلّت مؤنته من عمل“
السيرة النبوية ذاتها معجزة من معجزات النبي وآية من آيات نبوته.
كما قال ابن حزم: فهذه السيرة العظيمة لمحمد لمن تدبرها تقتضى تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله حقا فلو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى ، والدارس للسيرة كذلك يقف على كثير من معجزاته ولا شك فى أن معرفة معجزات النبي مما يزيد إيماننا بصدقه وحبنا له"
ولكن أهل الباطل مهرجون متعصبون متحجرون و عندهم عقيدة واضحة وأساليب كثيرة لتشوية الدعوة الصحيحة ويصدون عن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم بشتى الطرق والوسائل وصياح ذو صوت عال فلديهم أبواق كثيرة وماكرة ولكن كما قال الإمام الغزالى " إن الطحالب العائمة لا توقف السفن الماخرة" ، فليفعلوا ما يريدوا فالله من ورائهم محيط.
فالدعوة التى بدأ بها نبينا كانت لإنشاء أجيال وأمم تتوارث الحق وتعمر الأرض فى طاعة الله وكما قال ربعى بن عامر لرستم قائد الفرس " إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد لعبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
المراجع:
- كتاب وقفات تربوية مع السيرة النبوية جمع وتحقيق د أحمد فريد
- كتاب فقه السيرة للشيخ محمد الغزالى رحمه الله تحقيق الشيخ الالبانى
- سيرة بن هشام