إنما طائركم معكم
إن المصنوعات الجمادية لا ذنب عليها ، فإنها خاضعة لإرادة الإنسان وعقليته وأخلاقه ، فهي في ذات نفسها ليست خيراً ولا شراً ، ولكن الإنسان هو الذي يجعلها باستعماله لها خيراً أو شراً ، وكثيراً ما تكون خيراً في نفسها ، فيحولها الإنسان شراً بسوء استعماله وخبث سريرته ، وفساد تربيته ، فليس الشأن في هذه الآلات والمخترعات ، إنما الشأن فيمن يستغلها وفي الغرض الذي يستعملها له .
وحقيقة أن يقال – لمن أصبح يتطير في أوربا من هذه الآلات ، ومن الطيارات التي تقذف القنابل ، وتدمر المنازل ، وتنسف القرى والمدن ، والغواصات التي تغرق بواخر الركاب المسالمين والتجار الآمنين ، واللاسلكية التي تذيع الكذب والزور ، وتنشر الخلاعة والمجون ويشكو منها ، ويوجه إليها الملام :-{ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } فإن العلوم الطبيعية تسخر للإنسان القوة المادية ، وليس من شأنها أن تعلمه أيضاً كيف يستعملها ، وفيم يضعها ، كالكبريت يعطيك ناراً ؛ ولك أن تحرق بها بيتاً على سكانه ، أو تطبخ طعاماً أو تستدفئ بالنار ، والذي يعلم كيف يستعمل الإنسان القوة وفيما يضعها هو الدين ، فالدين يرشد الإنسان كيف ينتفع بقوته انتفاعاً حقيقياً ، وكيف يشكر نعمة الله ، ويحظر على الإنسان أن يكون بقوته التي خوله الله إياها معيناً على الظلم والجريمة والإثم والعدوان ، كما قال موسى عليه السلام : {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }(القصص) وقال سليمان : { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }(النمل)